اللغة


المحور الثالث من درس اللغة اللغة والسلطة اإلشكال إن اإلنسان حيوان لغوي وهو الوقت نفسه حيوان عاقل ولذلك هناك ارتباط قوي بين اللغة والعقل فهذا األخير يستخدمها للتعبير عن أفكاره لكن هل باستطاعة عقل اإلنسان أن يستخدم اللغة بحرية كاملة أال يمكن القول بأن اللغة تمارس سلطة قمعية على اإلنسان لكن أين تتجلى هذه السلطة هل في الشكل أم المضمون هل هي سلطة تتعلق بالبنية التركيبية الداخلية للغة أم بارتباطها بالمؤسسات االجتماعية واألشخاص الناطقين باسمها 1- أطروحة روالن بارت سنستخلص أطروحة روالن بارت واألفكار المرتبطة انطالقا من النص ص55 يعتبر روالن بارت أن اللغة تشريع واللسان سننه ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة ملكة إنسانية توجد عند جميع الناس واإلنسان يشرع بها قوانينا ويعبر بها عن أفكار وتصورات ومشاعر إال أنه ال يمكنه ذلك إال باللجوء إلى الرموز اللسانية التي تترجم من خاللها األفكار والمشاعر تبعا لقواعد وضوابط كل لسان فاللغة إذن في حاجة إلى اللسان إذ يمثل تحققها الفعلي على أرض الواقع لكن كيف يمارس اإلنسان التعبير عن طريق اللسان هل يمارس اإلنسان اللسان واللغة بشكل حر أال يمكن القول بأن للسان سلطة قمعية على اإلنسان وأين تتجلى هذه السلطة لقد اعتبر بارت أن اللسان يتضمن سلطة خفية تمارس علينا بشكل دائم بحيث ال ننتبه إلى طابعها القمعي وتتجلى سلطة اللسان في أنه يخضع لنظام وترتيب وتحكمه قواعد نحوية وصرفية وتركيبية ونحن حينما نتكلم به فنحن ننضبط لتلك القواعد بالضرورة وإال أنتجنا كالما غير مفهوم أو خارج عن الصواب وهذا يعني أن اللغة تمارس علينا سلطة من خالل خضوعنا لبنيتها التركيبية الداخلية فهناك إذن سلطة محايثة للغة وكامنة بداخلها ولتوضيح هذه الفكرة وتدعيمها قدم لنا روالن بارت األمثلة التالية من اللغة الفرنسية - إنني ملزم في اللغة الفرنسية أن أبدأ بالفاعل قبل الفعل وهذا مخالف للغة العربية مثال حيث نبدأ فيها بالفعل ثم الفاعل بعد ذلك مما يعني أن لكل لغة بنية تركيبية تمارس من خاللها سلطة وإلزاما على المتحدث بها - أنا ملزم في اللغة الفرنسية أيضا بأن أتحدث بصدد األشياء عن المذكر أو المؤنث أما المحايد فهو غير متاح وغير ممكن وهذا يعبر عن نوع من اإللزام الذي يحد من حريتي في ممارسة اللغة والتعبير عن أشياء الواقع - إنني ملزم أيضا في اللغة الفرنسية إما أن أخاطب اآلخر بضمير المخاطب العادي أنت أو ضمير المخاطب المعظم أنتم أما تعليق تعاملي مع اآلخر اجتماعيا وعاطفيا فممنوع علي هكذا يبين روالن بارت أن سلطة اللغة هي سلطة داخلية وبنيوية تتعلق ببنية اللغة ذاتها حيث تتكون اللغة من عناصر تتحكم فيها عالقات حتمية وضرورية تنعكس على حرية المتكلم بها إذ تقيده بالقواعد والضوابط التي تحكم هذه البنية الداخلية للغة
انطالقا من كل هذا فأن نتكلم ليس هو أن نتواصل بل أن نسود ونسيطر فاللغة إذن ال تمكننا من تبليغ أفكارنا كما نريد من جهةإذ تتيح لنا التعبير عن بعضها وتحجب عنا بعضها اآلخر تبعا لبنية كل لسان على حدة كما أنها من جهة أخرى تمكننا من استخدامها للتأثير على اآلخر وإخفاء أفكارنا عنه وكأن اللغة هنا هي لعبة أقنعة فيها اإلظهار واإلخفاء الصدق والكذب ويتحدث روالن بارت عن خاصيتين أساسيتين للسان هما أ- سلطة اإلثبات والتوكيد القطعي ذلك أن اإلنسان يعتمد في إثباته أو نفيه ألفكار ما أو الشك فيها على أدوات لغوية تتعلق برموز اللسان وقواعده النحوية واإلعرابية والتركيبية كما يتحدث بارت عن أقنعة خاصة باللغة ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة تمارس علينا سلطة خفية ال نكاد نحس بها وفي نفس الوقت أن المتكلم باللغة يمارس التمويه والخداع على اآلخرين باالعتماد على األدوات التي تتيحها لعبة اللغة ب- الطابع القطيعي للتكرار ولعل المقصود بذلك هو أن اللغة تجعل اإلنسان خاضعا وتابعا لسلطتها وكأنه فرد داخل قطيع أما طابع التكرار فيتجلى في كون قواعد اللغة هي قواعد متوارثة وتكرر نفسها جيال بعد جيل وهي بذلك تترسخ لدى أفراد المجتمع وتمارس عليهم سلطة داخلية بالرغم من السلطة الكامنة في اللغة يمكن القول بأن اإلنسان ليس عبدا للغة بشكل تام بل يمتلك قسطا من الحرية في ممارستها فصحيح أن اإلنسان مكره وملزم بالخضوع لقواعد اللغة وبنيتها الداخلية لكنه مع ذلك يعتبر واضع هذه اللغة ومبتكر لقواعدها كما أنه يملك قسطا من الحرية في أن يركب بين عالماتها ويبدع في إنتاج أفكار ال متناهية من خالل استعماله للرموز اللسانية وإذا كان روالن بارت يتحدث عن سلطة داخلية للغة توجد في ذاتها فهناك من الفالسفة والعلماء من استبعدوا أن تكون للكلمات سلطة خاصة بها وربطوا سلطتها بالشخص الذي يتحدث بها أو بالمؤسسات والسياقات االجتماعية التي يتم فيها تداول الكالم وإلقاء الخطاب ومن بين هؤالء السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو 2- أطروحة بيير بورديو سنستخلص أطروحة بورديو واألفكار المرتبطة بها انطالقا من النص ص57 يوجه بورديو نقده لألطروحة الفلسفية التي تهمل مسألة استعماالت اللغة وشروطها االجتماعية أثناء تناول مسألة سلطتها ويعتبر أن مثل هذه األطروحة ذات بعد سطحي وينعتها بالساذجة وهو ما يعني أن بورديو يتبنى أطروحة تربط سلطة اللغة بالشخص الذي يستعملها وبمكانته االجتماعية انطالقا من هنا يميز بورديو بين علم اللسان الذي يدرس اللغة في ذاتها ويربط سلطتها ببنيتها الداخلية وبين علم االستعماالت االجتماعية للغة والذي يربط سلطة اللغة بشروطها واستعماالتها المختلفة داخل الحقل االجتماعي وينتهي بورديو من خالل هذا التمييز إلى القول بأنه ال توجد سلطة أو قوة للكلمات في ذاتها بل إن سلطتها تستمدها من الشخص الذي فوض إليه أمر التحدث بها فاللغة تستمد سلطتها حسب بورديو من الخارج ومن المكانة االجتماعية للمتكلم بها كما ترتبط سلطة اللغة بالمؤسسات العلمية والسياسية واالقتصادية التي تفوض ألشخاص بعينهم لكي يتحدثوا بلسانها وهذا التفويض المؤسساتي هو الذي يمنح لكالم هؤالء األشخاص تأثيرا وقوة وسلطة تتماشى مع مكانة تلك المؤسسة في النسيج االجتماعي
تحميل

DOCX

16287 مشاهدة.

Hamza lamhane

Hamza lamhane

أرسلت .



كلمات مفتاحية :
اللغة
اللغة wetud docs ...